بعد ما رشح عن لقاء بعبدا الذي جمع الرئيس ميشال عون بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبعد رسائل رفع المسؤولية من الأخير لرئيس الحكومة حسان دياب بُثّ خبر بين الناس عن نية بإقالة الحاكم. نقلت صحيفة "نداء الوطن" نفي مصادر بعبدا. بعيدًا عن أُطر وآليات التنفيذ، وبعيدًا عن الإجراءات القانونية القضائية المرافقة للخطوة، أتت ردات فعل الشريحة الأكبر من الناس، في السر والعلن، مؤيدة للخطوة إن حصلت.
الحاكم منذ عام 1993، الممدد له أربع مرّات، المناسب لجميع الحقبات ونُظم الحكم لم يزعزعه انهيار الليرة. سلامة الذي عيّن إبان الإحتلال السوري للبنان رافق خروجهم عام 2005 بعد إغتيال دولة الرئيس الأسبق رفيق الحريري. كما واكب الحكومات المرضي عنها من الولايات المتحدة الأميركية المتتالية منذ عام 2005 حتى الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، وإتفاق الدوحة من العام نفسه. كان من الطبيعي المتوقع، أن يمدد له عام 2011 مع الظروف المرافقة يومها، ونظرًا لعدم رغبة الأطراف المعارضة له فتح جبهة علنية غير مؤاتية في الداخل اللبناني مع الأميركيين. لكن المفارقة الكبرى كانت بالتمديد لسلامة رغم التوقعات المغايرة مع استلام العماد عون سدة الرئاسة.
تمديد عام 2017 بين الخطأ والخطيئة
التسوية الرئاسية الهجينة بين أطراف التناقض الفكري - السياسي، أتت على الكثير من احتمالات المواجهة والتغيير لصالح تحقيق التهدئة والاستقرار. لكن العدة كانت تُعَد لمرحلة لا بد من الإعتراف أنها كانت حاصلة لا محالة. المرحلة الراهنة، وأزمة الليرة، وحال إنعدام الإستقرار السياسي، وربما الأمني قريبًا كانت محط توقع لدى الرؤيويّن في الخط السياسي المعارض لسلامة. فشل الدولة المتراكم منذ نهاية الحرب، وديون إعادة الإعمار، ومترتبات سرقة الأموال المرصودة لملف الكهرباء، وديون المؤتمرات الدولية، وتبعات "دولرة" الإقتصاد اللبناني كانت كفيلة بإنفجار الأزمات وإنهيار الليرة.
تسوية إيصال العماد عون الى بعبدا، كانت الفرصة الأخيرة السانحة لخيار من إثنين، النهوض بالبلد أو السقوط تحت تصنيف الدول الفاشلة. تمكن الفريق المتأمرك من فرض تنازلات على فريق العماد عون، متمسكاً وملوحاً بورقة الإستقرار السياسي والأمني مقابل المحافظة على الإستقرار النقدي والإقتصادي. إنفجرت ثورة 17 تشرين الاول 2019 بسحر ساحر، وإن كانت مبررة إقتصاديًا. نزل آلاف اللبنانيين تدريجيًا الى الشارع، بعد خطاب رئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل في إحتفال ذكرى 13 تشرين 1990، الملوح بالتحركات الشعبية لفض الشراكة بين ناهبي البلد من جهة والساعين لإصلاحه من جهة أخرى.
الرئيس، وفريق الرئيس، وحلفاء الرئيس الموافقين على مضض بالتمديد لسلامة عام 2017 يواجهون اليوم الأزمة الأفتك بأمن المواطن الإقتصادي منذ عام 1993. فسلامة، المطمئن على سلامة الليرة منذ أشهر يراقبها تنهار اليوم دون أن يرفّ له جفن. تلميذ سياسيات السنيورة الإقتصادية ومدرسة الحريري السياسية، المراهن على السلام مع "إسرائيل" لرفع الديون وإلغائها، يصرّ على سياساته المالية لتركيع الشعب نزولًا عند أوامر الأميركي. خطيئة التمديد لسلامة وخطأ التسوية الرئاسية لن تصلحه تسويات أخرى. فماذا عن آفاق الإنهيار الأقل ضررًا على الشعب والدولة والكيان ككل؟
على الدولة اليوم تفادي الأعظم. ما يحضّر من "غليان الأرض" و"ثورة 2" لا يبشّر خيارا. فمن يصوّر الرئيس والعهد والفريق الحليف بحلّة المسؤول عن الانهيار القادم، إنما يسعى لرفع المسؤولية عن نفسه. من يبخّر للسنيورة، ولسلامة ولحيتان المال وكارتيلات الصيارفة لا يمكنه أن يقود ثورة، ويطالب بالإصلاح.